كان اسمه فى الجاهلية عـبد عـمرو ، وقيل : عـبدالحارث ، وقيل عـبد الكعـبة ، فسماه رسول الله صلى الله عـليه وسلم عـبدالرحمن .
أسلم عـبدالرحمن قديما قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عـليه وسلم دار الأرقم ، وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرتين ، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة ، وأحد الستة أهل الشورى ، وأحد السابقين البدريين ، القرشي الزهري ، وهو أحد الثمانية الذين بادروا إلى الإسلام .
وعندما هاجر عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - إلى المدينة ، آخى النبي صلى الله عليه سلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري ، فاقتسم معه الأنصاري ماله وأهله ، فذهب إلى سوق بني قينقاع ، فظل يبيع سمن وأقط حتى تحصل على مهرها ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : كم سقت إليها ، قال : نواة من ذهب - أو وزن نواة من ذهب - .
وكانت لعبدالرحمن بن عوف - رضي الله عنه - مكانة خاصة في قلوب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عثمان بن عفان - رضي الله عنه - للمسور : من زعـم أنه خير من خالك في الهجرة الأولى وفي الهجرة الآخرة فقد كذب .
وعـن ابن عـباس - رضى الله عـنهما قال : جلسنا مع عـمر فقال : هل سمعـت عـن رسول الله صلى الله عـليه وسلم شيئاً أمر به المرء المسلم إذا سها فى صلاته ، كيف يصنع ؟ فقلت : لا والله ، أَوَ ما سمعـت أنت يا أمير المؤمنين من رسول الله فى ذلك شيئاً ، فقال : لا والله ، فبينا نحن فى ذلك أتى عـبدالرحمن بن عـوف فقال : فيم أنتما ؟ فقال عـمر : سألته ، فأخبره ، فقال له عـبدالرحمن : لكنى قد سمعـت رسول الله يأمر فى ذلك ، فقال له عـمر : ( فأنت عـندنا عـدل ) ، فماذا سمعـت ، قال : سمعـت رسول الله صلى الله عـليه وسلم يقول : ( إذا سها أحدكم فى صلاته حتى لا يدري أزاد أو نقص ، فإن كان شك فى الواحدة والثنتين ، فليجعـلها واحدة ، وإذا شك فى الثنتين أو الثلاث ، فليجعـلها ثنتين ، وإذا شك فى الثلاث والأربع ، فليجعـلها ثلاثاً حتى يكون الوهمُ في الزيادة ، ثم يسجد سجدتين ، وهو جالس ، قبل أن يسلم ، ثم يسلم .
وإذا تحدثنا عن مناقب هذا الصحابي الجليل ، فلا نستطيع أن نغفل عن أعظم منقبة له ، ألا وهي صلاة النبي صلى الله عليه وسلم خلفه في غزوة تبوك ، فعـن المغـيرة بن شعـبة أنه غـزا مع رسول الله صلى الله عـليه وسلم تبوك ، قال ( المغـيرة ) : فتبرز رسول الله قبلَ الغـائط ، فحملت معـه إداوة قبل صلاة الفجر ، فلما رجع رسول الله صلى الله عـليه وسلم إليَّ أخذت أَهريق عـلى يديه من الإداوة وغـسل يديه ثلاث مرات ثم غـسل وجهه ثم ذهب يخرج جبته عـن ذراعـيه فضاق كُمَّا جبته فأدخل يديه في الجبة حتى أخرج ذراعـيه من أسفل الجبة وغـسل ذراعـيه إلى المرفقين ثم توضأ عـلى خُفيه ثم أقبل .
قال المغـيرة : فأقبلت معـه حتى نجد الناس قد قدَّموا عـبدالرحمن بن عـوف فصلى لهم فأدرك رسول الله صلى الله عـليه وسلم إحدى الركعـتين فصلى مع الناس الركعـة الآخرة ، فلما سلم عـبدالرحمن بن عـوف قام رسول الله صلى الله عـليه وسلم يتم صلاته فأفزع ذلك المسلمين فأكثروا التسبيح فلما قضى النبى صلى الله عـليه وسلم صلاته أقبل عـليهم ثم قال : ( أحسنتم ) أو قال ( أصبتم ) يغـبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها .
وأيضا من مناقبه أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له بالجنة ، وأنه من أهل بدر من الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ , فَقَالَ : اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ ) ، ومن أهل هذه الآية : { لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ } .
ولما كان بينه وبين خالد بن الوليد شيء فسبَّه خالد ، فقال رسول الله صلى الله عـليه وسلم ( لا تسبوا أحداً من أصحابى فإن أحدكم لو أنفق مثل أُحُد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه ) .
وعـن بُسرة بنت صفوان : أن النبى صلى الله عـليه وسلم سألها : ( من يخطبُ أمًّ كلثوم بنت عـقبة ؟ ) قالت : فلان وفلان وعـبدالرحمن بن عـوف ، فقال : ( أنكحوا عـبدالرحمن بن عـوف ، فإنه من خيار المسلمين ، ومن خيارهم من كان مثله ) .
أما عن إنفاقه في سبيل الله ، فهي من أجمل السير التي تحكى ، فكان يستمع إلى آيات الإنفاق في سبيل الله فيسرع الخطا لينفق ماله لله - جل وعـلا - رغـبة فيما عـند الله وزهداً فى تلك الدنيا الفانية التى لا تساوى عـند الله جناح بعـوضة ، وعـن طلحة بن عـبدالله بن عـوف قال : كان أهلُ المدينة عـيالاً عـلى عـبدالرحمن ابن عـوف : ثُلث يُقرضهُم ماله ، وثلثٌ يقضى دينهم ، ويصلُ ثُلثاً .
وعـن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عـليه وسلم : ( خيركم خيركم لأهلي من بعـدي ) قال : فباع عـبدالرحمن ابن عـوف حديقة بأربع مائة ألف قسمها في أزواج النبي صلى الله عـليه وسلم .
وعـن أم سلمة - رضي الله عـنها - قالت : سمعـت رسول الله صلى الله عـليه وسلم يقول لأزواجه : (إن الذى يحنو عـليكن بعـدي لهو الصادق البار، اللهم اسق عـبدالرحمن بن عـوف من سلسبيل الجنة) .
وقال عنه إلامام الذهبي : هذا هو الغـني الشاكر .
وأيضاً من أفضل أعماله - رضي الله عنه - أنه عزل نفسه وقت الشورى عند اختيار خليفة المسلمين بعد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حيث كان من ضمن الستة الذين رشحهم عمر لخلافته .
وتوفى - رضي الله عنه - سنة 32 هــ ودفن بالبقيع وصلى عليه عثمان .
ولكن هناك حادثة جميلة حدثت قبل وفاته بشهر ، فعـن إبراهيم بن عـبدالرحمن ، قال : غـُشي عـلى عـبد الرحمن بن عـوف فى وجعـه حتى ظنوا أنه قد فاضت نفسه ، حتى قاموا من عـنده ، وجلَّلوه ، فأفاق يكبّر ، فكبر أهل البيت ، ثم قال لهم : غـُشي عـلي آنفا ؟ قالوا : نعـم ، قال : صدقتم! انطلق بي فى غـشيتي رجلان أجد فيهما شدةً وفظاظة ، فقالا : انطلق نحاكمك إلى العـزيز الأمين ، فانطلقا بي حتى لقيا رجلاً ، قال : أين تذهبان بهذا ؟ قالا : نحاكمه إلى العـزيز الأمين . فقال : ارجعـا ، ( فإنه من الذين كتب الله لهم السعـادة والمغـفرة وهم فى بطون أمهاتهم ، وإنه سيُمتَّع به بنوه إلى ما شاء الله ) ، فعـاش بعـد ذلك شهر .
فرضي الله عن عبد الرحمن بن عوف وأرضاه .
احسنتم انشاء الله موفقين هذا التطبيق رائع جدا فجازاكم الله خيرا فانصح بتنزيله وقل رب زدني علما
ردحذفبارك الله بكم
ردحذف